اللغة:

بحث

حياة صحية مديدة: دور التيلوميرات

  • شارك:
حياة صحية مديدة: دور التيلوميرات

أثارت علامات الشيخوخة اهتمام البشر منذ آلاف السنين، حيث أن عيش حياة صحية وطويلة هو حلم عند غالبية الناس، ما حفز العلماء لدراسة الوسائل الممكنة لزيادة عمر الإنسان. فقد نشر أول مقال علمي يبحث هذا الموضوع في عام 1838م (١)، واستمرت دراسات آلية الشيخوخة وكيفية إطالة العمر مما نتج عنها إنجاز مهم في أبحاث الشيخوخة: وهو اكتشاف التيلوميرات .

 

إن الشيخوخة هي عملية بيولوجية معقدة تتضمن انقسام وتكاثر الخلايا بهدف تجديد واستبدال الخلايا التالفة، لدعم نمو أعضاء جسم الإنسان. لكن هذه العملية الطبيعية تصبح تدريجيًا أقل كفاءة مع تقدم الإنسان في العمر، مما يؤدي إلى تدهور وظائف الأعضاء وصحة الأنسجة بشكل عام. وبرغم أن هناك عوامل مختلفة، منها عوامل وراثية، تساهم في عملية الشيخوخة، إلا أن العلماء تمكنوا من تحديد عامل أساسي اعتبر سمة مميزة لعملية الشيخوخة وهو قُصر التيلوميرات .

 

تحتوي كل خلية في جسم الإنسان على ٢٣ زوج من الكروموسومات في نواة كل خلية، وهي أجزاء مجهرية تكونها خيوط الحمض النووي الدي ان أي  (DNA) ، وتحمل المعلومات والصفات الجينية وتنقلها من جيل إلى جيل. وتعمل التيلوميرات كغطاءٍ واقٍ للجزء الأخير من الكروموسومات، تحميها من التلف وتضمن الاستقرار الجيني أثناء انقسام الخلايا، وبالتالي تلعب التيلوميرات دورًا أساسيًا في الحفاظ على سلامة المادة الوراثية .

 

  تقصر التيلوميرات في كل مرة تنقسم فيها الخلية ومع تقدم البشر في العمر، وعندما تصل إلى طول حرج، لا يعود بإمكانها توفير الحماية، مما يتسبب في توقف انقسام الخلايا وشيخوختها ثم وفاتها (٢). ويساهم هذا في الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة بالعمر مثل: الزهايمر، وأمراض القلب، والسكري. لذلك، فإن الحفاظ على التيلوميرات وصيانتها أمر بالغ الأهمية لإطالة العمر .

 

من أهم مسببات تقصير التيلوميرات هو ما يعرف بالإجهاد التأكسدي، فأثناء عملية التمثيل الغذائي الخلوي الطبيعية والتي تهدف لإمداد الخلية بالطاقة اللازمة للنمو والإصلاح، تنتج مركبات ضارة غير مستقرة تعرف بالجذور الحرة التي عادة ما يتم التخلص منها بواسطة مضادات الأكسدة في الخلية والتي تعمل كنظام دفاع خلوي مضاد يضمن التوازن بين مضادات الأكسدة والجذور الحرة. إلا أنه عند التعرض لعوامل خارجية ضارة، يختل هذ ا التوازن، وتتراكم الشوارد الحرة بكميات تزيد على قدرة دفاع الخلية، مسببة الإجهاد التأكسدي الذي يؤدي إلى تلف الخلايا والحمض النووي، مما يتسبب في تقصير التيلوميرات .

 

ومن الجدير بالذكر توصل العلماء لتحديد عدة عوامل تلعب دورًا رئيسيًا في تقليل الإجهاد التأكسدي، وتعزيز طول العمر. ومن هذه العوامل ما يلي :

 

النشاط البدني

لطالما ارتبط النشاط البدني المنتظم بالصحة العامة، إذ أظهرت الدراسات أن التمارين المنتظمة يمكن أن تبطئ الشيخوخة الخلوية عن طريق زيادة مستويات مضادات الأكسدة الطبيعية وتقليل الضرر المرتبط بالإجهاد التأكسدي، مما يساعد في الحفاظ على طول التيلوميرات. اقترحت الأبحاث الحديثة وجود صلة بين سرعة المشي وطول التيلوميرات، المرتبطة بتحسين الصحة والشيخوخة. ولذلك، يوصى بالحركة من خلال الأنشطة المنتظمة كالمشي، أو السباحة، أو اليوجا للحفاظ على قوة العضلات وإبطاء عملية الشيخوخة (٤،٣ ).

 

الغذاء

للتغذية دور محوري في تنظيم عملية الشيخوخة، فقد وجد العلماء أن اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن يساعد في الحفاظ على صحة الخلايا وإبطاء الشيخوخة. فعلى سبيل المثال، الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة مثل: التوت، والخضروات الورقية الخضراء، والحمضيات، والأسماك، تحمي التيلوميرات من الإجهاد التأكسدي وتؤخر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر. وعلى العكس، فإن اتباع نظام غذائي سيئ يفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية، والاستهلاك المفرط للحوم المصنعة والمشروبات السكرية يقصر التيلوميرات ويسرع الشيخوخة. إضافة إلى ذلك، قد يساهم نقص الفيتامينات أيضًا في تسريع الشيخوخة، حيث ترتبط المستويات المنخفضة من فيتامين "د" و "ج" بالشيخوخة (٩،٨،٧،٦،٥).

 

الضغط النفسي

أثبتت الأبحاث العلمية ارتباط الضغوطات النفسية المزمنة وضغوطات الطفولة بزيادة خطر الإصابة المبكرة بالأمراض المرتبطة بالعمر، حيث تتسبب هذه الضغوطات في إفراز الهرمونات المسؤولة عن التوتر والتي تسرع عملية الشيخوخة، وعلى العكس، لوحظ أن خفض مستويات التوتر يحسن الصحة الخلوية، وصيانة التيلوميرات. لذلك فإنه من المهم إدارة التوتر وممارسة ما يساعد على الاسترخاء كالتنفس العميق، والتأمل، واليوجا، وزيارة المختصين إن لزم الأمر للحد من آثار الضغط النفسي (١٣،١٢،١١،١٠ )

 

التدخين والكحول

العلاقة بين التدخين وتدهور الصحة علاقة وطيدة وواضحة، فقد أظهرت العديد من الدراسات أن للمدخنين تيلوميرات أقصر مقارنة بغيرهم، حيث يتسبب التدخين في توليد الجذور الحرة التي تسبب الإجهاد التأكسدي، مما يؤدي في النهاية إلى تقصير التيلوميرات بشكل كبير ما يتسبب تلف الخلايا وموتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخين يؤثر على إنتاج الكولاجين، وهو البروتين الذي يحافظ على صحة الجلد ومرونته، وذلك يؤدي إلى شيخوخة الجلد المبكرة والتجاعيد (١٦،١٥،١٤). وبالمثل، يرتبط الاستهلاك المفرط للكحول أيضًا بالتسارع في الشيخوخة لنفس الأسباب. وفقًا لدراسة من جامعة أكسفورد فحصت بيانات حوالي 250.000 شخص، أدت زيادة استهلاك الكحول إلى تقصير طول التيلوميرات، مما أدى في النهاية إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر (١٧ ).

 

النوم

أظهرت نتائج الأبحاث العلمية التي أجريت عبر فئات عمرية مختلفة أن مدة النوم لها دور مهم في الحفاظ على الآليات المسؤولة عن صيانة التيلوميرات والتقدم في العمر، وأن الأشخاص الذين يحصلون على ساعات أقل من النوم، يميلون إلى الحصول على تيلوميرات أقصر مقارنة بأولئك الذين يستمتعون بفترات نوم أطول، لذلك فإنه يوصى بالحفاظ على روتين نوم منتظم لمدة ٧-٨ ساعات كل ليلة (٢٠،١٩،١٨ ).

 

الشمس والعوامل الخارجية الأخرى

أظهرت عدة دراسات أن الافراط في التعرض للأشعة فوق البنفسجية مسؤول عن ٨٠٪ من علامات شيخوخة الوجه الظاهرة وذلك بسبب الإجهاد التأكسدي وتلف الخلايا الناتج. فيلزم الحرص علـى حماية الجلد من هذه الآثار الضارة بالحد من التعرض للشمس واستخدام العوامل الواقية منها (٢١،١٧ ).

إضافةً إلى ذلك، هناك العديد من العوامل الخارجية التي تسبب ظهور علامات الشيخوخة كونها مسببا للجذور الحرة، مثل: التلوث، ودخان السجائر، وبعض المبيدات الحشرية، والمنظفات .

 

إن التركيز على إطالة عمر الإنسان يتجاوز مجرد زيادة عدد سنين العمر، بل يهدف إلى العيش بصحة أفضل، وقد برزت اكتشافات عديدة من خلال الجهود البحثية التي كرست لدراسة إمكانية تحسين صحة الإنسان، ممهدة الطريق لاستراتيجيات فعالة بشأن تحقيق طول العمر، ومع وجود عوامل مختلفة يمكنها الإخلال بالتوازن البيولوجي للخلايا والجسم، يصبح من الضروري اعتماد أسلوب حياة صحي ومتوازن، يشمل: نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، والنوم الكافي، وإدارة التوتر، وتجنب السلوكيات الضارة مثل التدخين. وبذلك الإسهام في إبطاء عملية الشيخوخة، والتخفيف من الأمراض المرتبطة بالعمر، مما يسمح لنا بالتقدم في العمر بصحة وعافية .

 

alaamr-almdyd-onmt-alhya-2.jpg

 

المراجع:

  1. Harrison J, Ticknor C. The Philosophy of Health; or, an Exposition of the Physical and Mental Constitution of Man, with a View to the Promotion of Human Longevity and Happiness. Br. Foreign Med. Rev. 1838;5:380–413.
  2. Vaiserman A, Krasnienkov D. Telomere length as a marker of biological age: State-of-the-art, open issues, and future perspectives. Frontiers in Genetics. 2021;11. 
  3. Poljsak B. Strategies for reducing or preventing the generation of oxidative stress. Oxidative Medicine and Cellular Longevity. 2011;2011:1–15. 
  4. Dempsey PC, Musicha C, Rowlands AV, Davies M, Khunti K, Razieh C, et al. Investigation of a UK Biobank cohort reveals causal associations of self-reported walking pace with telomere length. Communications Biology. 2022;5(1). 
  5. Omidifar N, moghadami M, Mousavi SM, Hashemi SA, Gholami A, Shokripour M, et al. Trends in natural nutrients for oxidative stress and cell senescence. Oxidative Medicine and Cellular Longevity. 2021;2021:1–7.
  6. History of Aging Research - Center for Healthy Aging [Internet]. [cited 2023Jun.21]. Available from: https://www.research.colostate.edu/healthyagingcenter/2022/02/21/history-of-aging-research/
  7. Fernández del Río L, Gutiérrez-Casado E, Varela-López A, Villalba J. Olive Oil and the Hallmarks of Aging. Molecules. 2016;21(2):163.
  8. Boccardi V, Esposito A, Rizzo MR, Marfella R, Barbieri M, Paolisso G. Mediterranean Diet, Telomere Maintenance and Health Status among Elderly. PLoS ONE. 2013;8(4).
  9. Guasch-Ferré M, Li Y, Willett WC, Sun Q, Sampson L, Salas-Salvadó J, Martínez-González MA, Stampfer MJ, Hu FB. Consumption of Olive Oil and Risk of Total and Cause-Specific Mortality Among U.S. Adults. Journal of the American College of Cardiology. 2022;79(2):101-12.
  10. Polsky LR, Rentscher KE, Carroll JE. Stress-induced biological aging: A review and guide for research priorities. Brain, Behavior, and Immunity. 2022;104:97–109. 
  11. Khaw K-T, Wareham N, Bingham S, Welch A, Luben R, Day N. Combined Impact of Health Behaviours and Mortality in Men and Women: The EPIC-Norfolk Prospective Population Study. PLoS Medicine. 2008;5(1).
  12. Price LH, Kao H-T, Burgers DE, Carpenter LL, Tyrka AR. Telomeres and early-life stress: An overview. Biological Psychiatry. 2013;73(1):15–23. 
  13. Shalev I, Entringer S, Wadhwa PD, Wolkowitz OM, Puterman E, Lin J, et al. Stress and telomere biology: A lifespan perspective. Psychoneuroendocrinology. 2013;38(9):1835–42. 
  14. Astuti Y, Wardhana A, Watkins J, Wulaningsih W. Cigarette smoking and telomere length: A systematic review of 84 studies and meta-analysis. Environmental Research. 2017;158:480–9. 
  15. Fagagna F d’Adda, Reaper PM, Clay-Farrace L, Fiegler H, Carr P, von Zglinicki T, et al. A DNA damage checkpoint response in telomere-initiated senescence. Nature. 2003;426(6963):194–8. 
  16. Von Zglinicki T. Oxidative stress shortens telomeres. Trends in Biochemical Sciences. 2002;27(7):339–44. 
  17. Topiwala A, Taschler B, Ebmeier KP, Smith S, Zhou H, Levey DF, et al. Alcohol consumption and telomere length: Mendelian randomization clarifies alcohol’s effects. Molecular Psychiatry. 2022;27(10):4001–8. 
  18. Grieshober L, Wactawski-Wende J, Hageman Blair R, Mu L, Liu J, Nie J, et al. A cross-sectional analysis of telomere length and sleep in the Women’s Health initiative. American Journal of Epidemiology. 2019;188(9):1616–26. 
  19. James S, McLanahan S, Brooks-Gunn J, Mitchell C, Schneper L, Wagner B, et al. Sleep duration and telomere length in children. The Journal of Pediatrics. 2017;187. 
  20. Lin J, Epel E, Blackburn E. Telomeres and lifestyle factors: Roles in cellular aging. Mutation Research/Fundamental and Molecular Mechanisms of Mutagenesis. 2012;730(1):85-9.
  21. De Jager TL, Cockrell AE, Du Plessis SS. Ultraviolet light induced generation of reactive oxygen species. Advances in Experimental Medicine and Biology. 2017;15–23.
Nadia Alaidroos

Nadia Alaidroos