اللغة:

بحث

التجدد الذاتي للأسنان.. حلم أم حقيقة؟

  • شارك:
التجدد الذاتي للأسنان.. حلم أم حقيقة؟

يعاني المليارات من سكان العالم من أمراض الفم والأسنان، حيث يُعتبر تسوس الأسنان الأكثر انتشاراً مع وجود ما يقارب ٣ مليارات حالة تسوس غير معالجة مازالت في تزايد على الرغم من تطور سبل الوقاية والعلاج (١)؛ 

Dr.Nadia_SM Post_V2 (2) - Done-01-min
 

وتعتمد استراتيجيات العلاج الحالية في التسوس بشكل عام على إبطاء تقدم المرض وتتباين من حشوات بسيطة إلى علاج قناة الجذر حيث تتم إزالة الجزءِ المصاب واستبداله باستخدام مواد وحشوات اصطناعية لملء الجزءِ التالف، ومع ذلك يبقى السن المُعالَج عُرضة للتسوس والالتهابات، لأن هذه المواد والحشوات لا تدعم بناءً حيوياً للنسيج السني العاجي أو اللب السني بقناة الجذر وإنما تساهم في الحفاظ على شكل ووظيفة السن.

وعادة ما تظهر آلية الدفاع الطبيعية في النسيج السني عند بدء الإصابة، فمثلاً عند بدء التسوس، يتم تنشيط عملية إصلاحٍ حيوية طبيعية مصدرُها خلايا في اللب السني، لتعويض العاج المفقود موضعياً في الجزءِ المتضرر بهدف حماية اللب، لكن مع تقدم مراحل التسوس فإن هذه العملية لا تكون كافية لإنتاج بناء كامل للجزءِ التالف ولا توفر حماية على المدى الطويل، وبتلف اللب يفقد السن أي وسيلة بيولوجية للوقاية، حيث يُعتبر لب السن مهماً للحفاظ على حيوية السن ومتانته، فيما تظل الأسنان المفقودة اللب وإن عُولجت بالمواد الحالية التقليدية، قابلة للمضاعفات كالالتهابات وعُرضة للكسور.

drnadia-sm-post-v2-2-done-03.jpg
 

السؤال هُنا يكون، هل يمكن لأسنانِنا أن تتجدد ذاتياً؟ قد يبدو هذا أمراً خيالياً، إلا أن أحدث الدراسات في مجال طب الأسنان تعمل على جعل هذا حقيقة ممكنة، فالطُرق العلاجية الحالية تعتمد على ترميم الأسنان بمواد خارجية كالحشوات لتعويض الجزءِ المفقود من النسيج وقد يلزم تجديد هذه الحشوات بعد مدة لحماية النسيج السني من تلفٍ جديد؛ بينما تعتمد الأبحاث الحديثة على تنشيط الشفاء الذاتي للأسنان بطرق بيولوجية طبيعية بحيث يتجدد النسيجُ التالف ذاتيًا لإعادة بناء نفسه، وتعتبر هذه ثورة في طُرق علاج الأسنان، حيث يكون فيها المريض المستفيد الأول مما يوفر له حلاً علاجياً طويل الأمد. 

لهذه الأسباب فقد استنتج العلماء أنه بإعادة بناء نسيج اللب بنفس النسيج الأصلي يُمكن المحافظة على قدرة اللب في التجديد المستمر للأنسجة السنية لوقاية الاسنان، وأثمرت الدراسات والأبحاث العلمية التي بدأت منذ أكثر من عشرين عاماً عن نتائج مبهرة؛ فهناك عدة طرق تتم دراستها لتجديد النسيج السني، من أهمها تلك التي تعتمد على الخلايا الجذعية في لب الاسنان، فقد أثبتت الأبحاث وجود خلايا جذعية سنية مقرها لب الأسنان، كما أثبتت قُدرة هذه الخلايا على تجديد أنسجة النسيج السني وبذلك اتجهت هذه الأبحاث لدراسة إمكانية إعادة توظيف هذه الخلايا سريرياً للوصول إلى علاجات مُثلَى لأمراض الأسنان وذلك لتحسين أساليب العلاج السريرية الحالية بتوفير حلول بيولوجية طويلة الأمد يستفيد منها ملايين المصابين حول العالم.

Dr.Nadia_SM Post_V2 (2) - Done-02-min
 

وترتكز تقنيات الطب التجديدي في العلاج الخلوي على تحفيز هذه الخلايا لإعادة إنتاج النسيج العاجي واللب السني بنفس النسيج الأصلي بحيث يتم ملء التجاويف الناتجة عن التسوس وتجديد اللب السني في قناة الجذر ذاتيًا.

عدد كبير من خلايا مختلفة الأنواع تعُد مسؤولة عن تشكيل وتطور الاسنان التي تم اكتشاف خرائط مساراتها حديثاً؛ فقد قام العُلماء الباحثون في جامعة هارفارد ومعهد كارولينسكا بتتبع الخلايا السنية جينياً ونجحوا في تحديد وتمييز جميع مجموعات الخلايا في الأسنان البشرية ومسارات تمايزها (٢)، ويعتبر هذا إنجازاً علمياً مهماً غير مسبوق، من خلالهِ يُمكن تعزيز طرق توظيف هذه الخلايا في العلاج البيولوجي الذاتي للأسنان لتعويض الأنسجة التالفة والمفقودة.

Dr.Nadia_SM Post_V2 (2) - Done-04-min
 

وتتلقى الخلايا الجذعية إشارات من البيئة المحيطة والخلايا المجاورة للتحكم في عدد ونوعية الخلايا المنتجة للنسيج، فمن الحقائق المثبتة علميًا دور إشارات Wnt/Cat التي ترسلها الخلايا كاستجابة فورية مبكرة لتلف الأنسجة مما يحفز الخلايا لإصلاح النسيج المتضرر، وبذلك فإن زيادة تنشيط هذه الإشارات قد يوفر طريقًا مباشرًا لتعزيز الإصلاح الطبيعي والتعويض السريع للنسيج العاجي التالف؛ ومن أحدث الطرق التي بحثها العلماء في كلية كنجز بلندن وأثبتت نجاحَها في التجارب السريرية باستخدام مواد حيوية معتمدة طبياً تم استخدامها سريرياً كعلاج لأمراض أُخرى، حيث اُستخدم اسفنج الكولاجين (ماده علاجية بروتينية تساهم في تجديد الأنسجة) القابل للتحلل لتوصيل مادة  Tideglusib (مادة علاجية دوائية) العلاجية والتي تنشط إشارات Wnt ، وبعد ستة أسابيع لوحظ امتلاء التجاويف بالكامل بنسيج عاجي جديد حل محل اسفنج الكولاجين مما يثبُت نجاح تنشيط التجديد الذاتي في السن التالف؛ وسهولة هذه الطريقة العلاجية توفر حلولاً ذاتية مثالية لترميم عاج الأسنان وحماية اللب التي يتم معالجتها حالياً بحشوات صناعية غير عضوية (٣). 

أما في جامعة بليموث، فمن أهم الاكتشافات، تمكن العلماء من تحديد الجين Dlk1 (أحد الجينات المسؤولة عن توفير رموز بروتين منظم لعمليات الخلايا) والمسؤول عن إرسال إشارات التحكم في عدد الخلايا المنتجة للنسيج السني في القوارض والتي تُعرف قواطعها باستمرار النمو والتجدد الذاتي طوال حياة الحيوان، ويبحث العلماء إمكانية تنشيط إنتاج هذا الجين في الخلايا الجذعية للأسنان البشرية مما يُحفز آلية التوجيه لإنتاج المزيد من الخلايا المُرممة للنسيج السني وبذلك يكون إصلاح وترميم الأسنان تلقائياً بواسطة آليات التجديد والصيانة الذاتية الخاصة بالجسم (٤). 

وفي جامعة بنسلفانيا، أثبتت الأبحاث السريرية المُتتابِعة طويلة المدى نجاح الخلايا الجذعية المستخرجة من لب الأسنان في تجديد وإعادة نمو اللب السني بشكل كامل، حيث أُجري البحث كتجربة سريرية عشوائية مضبوطة ولوحظ بعد زراعة الخلايا الجذعية المستخرجة من لب الأسناناللبنية في قناة الجذر للمرضى المعالجين، تجدد الأوعية الدموية والعصبية والأنسجة الداعمة والعاج في الأسنان المعالجة، مما يُنبئ عن ثورة وشيكة في مجال علاج القنوات السنية (٥) وبذلك قد يتم مستقبلاً الاستغناء عن علاج قنوات الجذور بالطرق الحالية التي تتطلب استخدام حشوات خارجيه لملء قناة الجذر.

Dr.Nadia_SM Post_V2 (2) - Done-05-min
 

الجدير بالذكر التنويه بأهمية الطب التجديدي والذي يُركز على طُرق العلاج البيولوجية التي يتوقع الباحثون أنها سوف تُترجم سريريًا في المستقبل القريب فيقضي المريض وقتاً أقل مع طبيب الأسنان لكنهُ بالتأكيد أكثر جدوى وأعلى جودة؛ وهذه العِلاجات تقدم حلولاً بديلة واعدة لأنها توفر استعادة تامة لأنسجة الأسنان ببنائها ذاتياً والحفاظ على حيويتها مع استعادة هيكلِها و وظيفتِها؛ لذلك فإنه من المهم جداً للأطباء والباحثين دراسة وفهم الآليات الدقيقة الكامنة وراء إمكانيات الخلايا الجذعية السنية وسلوكِها وآليات عملِها، ولا ننسى أهمية البحث العلمي النوعي وتعاون الباحثين ضمن فريق علمي متعدد التخصصات في تطور الحلول العلاجية الأكثر ابتكاراً لأمراض الأسنان.

المراجع:

  1. James S, Abate D, Abate K, Abay S, Abbafati C, Abbasi N et al. Global, regional, and national incidence, prevalence, and years lived with disability for 354 diseases and injuries for 195 countries and territories, 1990–2017: a systematic analysis for the Global Burden of Disease Study 2017. The Lancet. 2018;392(10159):1789-1858.
  2. Krivanek J, Soldatov R, Kastriti M, Chontorotzea T, Herdina A, Petersen J et al. Dental cell type atlas reveals stem and differentiated cell types in mouse and human teeth. Nature Communications. 2020;11(1).
  3. Neves V, Babb R, Chandrasekaran D, Sharpe P. Promotion of natural tooth repair by small molecule GSK3 antagonists. Scientific Reports. 2017;7(1).
  4. Walker J, Zhuang H, Singer D, Illsley C, Kok W, Sivaraj K et al.  Transit amplifying cells coordinate mouse incisor mesenchymal stem cell activation. Nature Communications. 2019;10(1).
  5. Xuan K, Li B, Guo H, Sun W, Kou X, He X et al. Deciduous autologous tooth stem cells regenerate dental pulp after implantation into injured teeth. Science Translational Medicine. 2018;10(455): eaaf3227.

 

Dr. Nadia Alaidaroos

Dr. Nadia Alaidaroos

BDS, PGDip, MSc, PhD